فصل: (فرع: تسبيح المقتدي)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: حكم ما أدركه المسبوق]

وما أدرك المأموم مع الإمام، فهو أول صلاة المأموم فعلاً وحُكمًا، وبه قال عُمر وعليٌّ، وأبو الدرداء، ومن التابعين: ابن المسيب، والحسن البصري، ومن الفقهاء: الأوزاعي، وإسحاق، ومحمد بن الحسن.
وقال مالك، وأبو حنيفة، والثوري، وأبو يوسف: (ما أدركه مع الإمام فهو آخر صلاته، وما يقضيه بعد سلام الإمام هو أول صلاته).
وأبو حنيفة يقول: (هو آخر صلاته حُكمًا، وأوَّلها فعلاً، وما يقضيه بعد سلام الإمام، هو أول صلاته حكمًا، وآخرها فعلاً).
وحجَّتُهم: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وما فاتكم فاقضوا».
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أدركتم.. فصلُّوا، وما فاتكم.. فأتموا».
وحقيقة الإتمام هو: البناء على ابتداء تقدم.
وأما قوله "فاقضوا": فلا حُجَّة فيه؛ لأنَّ القضاء يُستعمل في ابتداء الفعل، ولهذا قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 103]، أي: فإذا فعلتم، فيكون معناه: فاقضوا آخر صلاتكم.
فعلى هذا: إذا أدرك معه الأخيرة من الصبح.. أعاد القنوت في الركعة الثانية.

.[فرع: تعداد الجماعة في المسجد]

إذا كان للمسجد إمامٌ راتبٌ، مثل مساجد المحال والدُّروب، فأُقيمت فيه الجماعة.. كُره إقامة الجماعة فيه مرة أخرى.
قال الشافعي: (لأن السلف من الصحابة والتابعين لم يفعلوا هذا، بل قد عابه بعضهم)، ولأنه قد يكون بين الإمام، وبعض الجيران شيءٌ، فيقصد إلى أن يصلِّي بعده جماعة في ذلك المسجد مغايظة للإمام، فيؤدي ذلك إلى تفريق كلمتهم، وتأكد عداوتهم.
وحكى في "الإبانة" [ق 79] وجهًا آخر: أنه يُنْدَب إلى إقامة الجماعة بكل حال.
وبه قال عطاء، والحسن، والنخعي، وقتادة، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، والمشهور هو الأول.
وأما إذا كان المسجد ينتابه الناس من كل جهة، مثل مساجد الأسواق، والجوامع.. فإنه لا تكره إقامة الجماعة فيه مرارًا؛ لأنه لا يؤدي إلى تفريق الكلمة، وتأكيد العداوة.
ويستحب لمن صلَّى ثم رأى رجلاً يصلِّي وحده أن يصلِّي معه؛ لما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبصر رجلاً يصلِّي وحده، فقال: «ألا رجلٌ يتصدق عليه، فيصلي معه».

.[مسألة:استحباب إعادة الصلاة]

إذا صلَّى صلاة، ثم أدركها في جماعة.. فالمستحب: أن يعيدها مع الجماعة، سواءٌ كان قد صلَّى الأولى منفردًا، أو في جماعة. وبه قال عليٌّ، وحذيفة، وأنس بن مالك، إلا أن الصحابة قالوا في المغرب: (إذا أعادها، وسلم الإمام.. أضاف إليها أخرى وسلم). وبه قال محمد.
وعندنا: لا يضيف إليها.
ومن أصحابنا من قال: يعيدها إذا كان قد صلاَّها منفردًا، وإن كان صلاَّها في جماعة.. لم يعدها؛ لأن فضيلة الجماعة قد حازها.
ومن أصحابنا من قال: يعيد الصلوات كلَّها، إلا الصبح والعصر، فإنه لا يعيدهما؛ لأنه نُهي عن النافلة بعدهما. وبه قال الحسن البصري.
وذهب آخرون إلى أنه يعيد كل صلاة صلاها، إلا المغرب، فإنه لا يعيدها؛ لئلا تصير شفعًا. ذهب إليه ابن مسعود، ومن الفقهاء: مالك، والأوزاعي، والثوري.
وقال أبو حنيفة: (لا يعيد إلا الظهر والعشاء).
دليلنا: ما روى يزيد بن الأسود العامري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلَّى صلاة الصبح، فلما فرغ من صلاته.. رأى رجلين في آخر القوم لم يُصليا معه، فقال: عليَّ بهما، فأتي بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟، فقالا: يا رسول الله، قد كنا صلينا في رحالنا، قال: فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة.. فصليا معهم؛ فإنها لكما نافلة». ولم يفرق بين الصلوات، ولا بين أن يصلي وحدهُ، أو في جماعة.
إذا ثبت هذا: فما ينوي الثانية؟ فيه وجهان، حكاهما المسعودي [في "الإبانة" ق 79]:
أحدهما: ينويها فرضًا.
والثاني: أنه بالخيار بين أن ينويها فرضًا، وبين أن يطلق.
وبم يسقط عنه الفرض؟ فيه قولان:
الأول: قال في الجديد: (يسقط عنه الفرض بالأولى). وبه قال أبو حنيفة.
والثاني: قال في القديم: (يحتسب الله له بأيَّتهما شاء؛ لأنه إنما استحب له إعادة الفريضة؛ ليكملها بالجماعة). فلو كانت الثانية نافلة.. لم يستحب له الجماعة.
وقال الشعبي، والأوزاعي: (الجميع فرضه).
والأول أصحُّ؛ لحديث يزيد بن الأسود، ولأنه لا يجب عليه الإعادة مع الجماعة، فدلَّ على أن الفرض قد سقط عنه بفعل الأولى.

.[مسألة:ما يستحب للإمام]

ويستحب للإمام ألا يكبر حتى يلتفت يمينًا وشمالاً، ويقول: سوُّوا صفوفكم، لما روى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: «سوُّوا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة».
وروي عن أبي مسعود البدري: أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: استووا، ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم».
قال ابن الصباغ: ومعناه: إذا اختلف القوم، فتقدم بعضهم على بعض.. تغير قلب بضعهم على بعض، وذهب عن الصلاة.
وروي: (أنه كان لعمر قومٌ يأمرهم بتسوية الصفوف، فإذا رجعوا.. كبَّر).
ويستحب له أن يخفِّف في القراءة والأذكار،؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلَّى أحدكم بالناس.. فليخفف، فإن فيهم السقيم، والضعيف، وذا الحاجة، فإذا صلَّى لنفسه.. فليطول ما شاء» فإن صلَّى وحده.. طوَّل ما شاء؛ للخبر، وكذلك إذا صلَّى بقوم، يعلم أنهم يؤثرون التطويل.. فلا بأس بالتطويل.

.[فرع: تطويل الإمام للحوق المصلين]

إذا كان يصلِّي في مسجد، جرت العادة بأن الجماعة إذا أقيمت فيه.. أتاه الناس فوجٌ بعد فوج، كمساجد الأسواق، فأراد الإمام أن يطول فيه الصلاة لكي تكثر الجماعة.. قال أصحابنا: فلا خلاف على المذهب أن هذا الانتظار مكروه؛ لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أمَّ أحدكم.. فليُخفف».
وهكذا: إذا طوَّل الإمام الصلاة؛ لحضور رجل له محل، لِدِينه، أو علمه، أو دنياه.. فلا خلاف أن هذا الانتظار مكروهٌ، لما ذكرناه في الأول.
فأما إذا ركع الإمام، فأحس في ركوعه برجل دخل المسجد، يريد الصلاة.. فهل ينتظره؟ فيه قولان:
أحدهما: ينتظره، وبه قال أبو حنيفة.
قال الشيخ أبو حامد: وهو الأصحُّ؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي، وقد أجلس الحسن بن عليٍّ بين يديه، فلمَّا سجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. ركب الحسن ظهره، فانتظره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نزل، فلمَّا فرغ من صلاته.. قيل له: لم أطلت السُّجود؟ فقال: إن ابني كان ارْتحلني، فأطلت السُّجود؛ ليقضي وطره».
فإذا كان هذا الانتظار لغير من هو في الصلاة، فلمن يريد الصلاة أوْلى.
ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقتل الحية والعقرب في الصلاة، ومعلومٌ: أن حال من يقتل الحيَّة والعقرب مشغول عن الصلاة، فلأن ينتظر رجلاً مسلمًا؛ ليلحق معه الصلاة أولى.
والثاني: لا ينتظره، قال في "الفروع": وهو الأصحُّ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أمَّ أحدكم فليخف». ولم يفرق.
ولأن كل من لم ينتظره في غير الركوع، لم ينتظره في الركوع، كما لو أحس به قبل أن يدخل المسجد.
ولأن الجماعة كلّما كثرت كان أفضل، فلمَّا لم يكن للإمام أن يطول لتكثر الجماعة فالرجل الواحد أولى ألا يطوَّل له.
ولأنه إذا لم ينتظره، وفوت عليه الركعة كان ذلك زجرًا له، وتأديبًا له عن التأخر عن الجماعة.
ومن قال بهذا: قال: إنما انتظر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزول الحسن؛ لأنه خاف سقوطه.
ومن أصحابنا من قال: ينتظره يسيرا، ولا ينتظره كثيرا.
ومن أصحابنا من قال: إن كان هذا الداخل له عادة بحضور المسجد وملازمة الجماعة جاز انتظاره، وإن كان غريبًا لم يجز.
وحكى صاحب "الإفصاح": أن مِنْ أصحابنا مَنْ قال: إن كان الانتظار لا يضرُّ بالمأمومين، ولا تدخل عليهم مشقة، كانتظار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنزول الحسن عن ظهره، وكرفعه لأمامة بنت أبي العاص، ووضعه؛ جاز قولاً واحدًا.
وإن كان ذلك ممَّا يطوِّل ففيه قولان.
واختلف أصحابنا في موضع القولين:
فقال الشيخ أبو حامد، وأكثر أصحابنا: لا يحرم هذا الانتظار، ولا يستحب ولا تبطل به الصلاة، وإنما القولان في الكراهة.
وقال القاضي أبو الطيب: القولان في الاستحباب لا في الكراهة.
وقال أبو إسحاق المروزي: فيه قولان:
أحدهما: يكره. والثاني: يستحب. وهذه طريقة الشيخ أبي إسحاق في "المهذب".
وحكى صاحب "الإبانة" [ق \ 79] أن من أصحابنا من قال: القولان في البطلان.
وإن أحس به، وهو في التشهد قبل السلام بجزءٍ فهل ينتظره؟ فيه قولان؛ لأنه يدرك الجماعة.
وإن أحس به في غير ذلك من أحوال الصلاة لم ينتظره، قولاً واحدًا؛ لأنه إن كان قبل الركوع فهو يدرك الركعة في الركوع، وإن كان بعد الركوع، فقد فاتته الركعة، فلا معنى لانتظاره.

.[مسألة:سبق الإمام]

ينبغي للمأموم ألا يتقدم الإمام بشيء من أفعال الصلاة؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، فإذا سجد، فاسجدوا، ولا ترفعوا قبله».
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أما يخشى أحدكم الذي يرفع رأسه والإمام ساجد أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو صورته صورة حمار».
فإن كبَّر للإحرام معه أو قبله، ونوى الاقتداء به لم تنعقد صلاته؛ لأنه نوى الاقتداء بغير مُصلٍّ، مع العلم به، فلم تصحَّ صلاته، كما لو نوى الاقتداء بمحدث، مع العلم بحاله.
فإن سبقه بركن، بأن ركع قبله، أو سجد قبله، فقد قال: بعض أصحابنا: يستحب له أن يعود إلى القيام؛ ليركع مع الإمام من قيام.
وحكى الشيخ أبو حامد: أن الشافعي قال: (يلزمه أن يعود إلى متابعته؛ ليكون مُتَّبعًا لإمامه، فإن لم يفعل لم تبطل صلاته؛ لأنه يسير).
فإن ركع قبل الإمام، أو سجد عامدًا، فهل تبطل صلاته؟ فيه وجهان:
الأول: قال الشيخ أبو حامد: لا تبطل؛ لأن الشافعي لم يفرق بين السهو والعمد، وعلل: بأنه يسير.
والثاني: من أصحابنا من قال: تبطل؛ لأنه فارق الإمام بغير عذر، فإن ركع قبل الإمام، فلمَّا أراد الإمام أن يركع رفع المأموم رأسه، فلمَّا أراد الأمام أن يرفع رأسه سجد المأموم، فقد سبقه بركنين، فإن فعل هذا عامدًا بطلت صلاته؛ لأن ذلك مفارقةٌ كثيرة.
وإن فعل ذلك جهلاً لم تبطل صلاته، ولا تحتسب له بهذه الركعة؛ لأنه لم يتبع الإمام معظمها.
فإن ركع قبل الإمام، ورفع رأسه، وأدركه الإمام في حال الرفع فهل تبطل صلاته؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق \ 79].
وإن ركع قبل الإمام، ثم وقف حتى ركع الإمام، ثم رفع رأسه من الركوع قبل الإمام، ثم وقف حتى رفع الإمام رأسه، ثم سجد قبل الإمام، وأدركه الإمام، ثم رفع رأسه قبل الإمام، وفعل ذلك في صلاته كلها، قال الشيخ أبو حامد: بطلت صلاته.
وإن سجد قبل الإمام سجدتين ففيه وجهان:
أحدهما: تبطل صلاته أيضًا؛ لأنه سبقه بركنين، وهما السجدتان، والجلسة بينهما.
والثاني: لا تبطل؛ لأن السجدتين والجلسة بينهما، ركن واحد.

.[فرع: تسبيح المقتدي]

وإن سها الإمام في فعل سبح له المأموم، فإن وقع له السهو عمل بقوله.
وإن لم يقع له أنه سها فاختلف أصحابنا فيه: فقال أكثرهم: يعمل على يقين نفسه، ولا يرجع إلى قولهم؛ لأن من شكَّ في فعل نفسه لم يرجع إلى قول غيره، كالحاكم إذا نسي حُكمًا حكم به، فشهد شاهدان عليه أنه حكم به، وهو لا يذكره.
وقال أبو عليٍّ في "الإفصاح": إن كان خلف الإمام جماعة عظيمة، بحيث يعلم أن تلك الجماعة لا يجوز اجتماعهم على الخطأ رجع إليهم، وإن كانت قليلة عمل الإمام فيما يثبت عنده، ولم يلتفت إليهم.
ووجه قوله: حديث ذي اليدين، الذي ذكرناه فيما يفسد الصلاة.

.[مسألة:مفارقة الإمام]

وإن نوى المأموم مفارقة الإمام، وأتم لنفسه، فإن كان لعذر، مثل: أن ترحل القافلة، ويخشى إن شغل بالصلاة مع الإمام فاتته القافلة، أو وقع الحريق في ماله، أو خاف على مريض له منزول به الموت جاز له ذلك، ولا تبطل به صلاته؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرَّق الناس بذات الرِّقاع فرقتين، فصلَّى بفرقة ركعة، ثم أتموا لأنفسهم». وهذه مفارقة لعذر.
وإن فارقه لغير عذر، فاختلف أصحابنا فيه:
فقال أكثرهم: فيه قولان:
أحدهما: تبطل صلاته، وبه قال أبو حنيفة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبَّر فكبَّروا، وإذا ركع فارْكعوا». فأمر بمتابعة الإمام، فمن خالفه فقد دخل تحت النهي، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أَمَا يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام، أن يحول الله رأسه رأس حمار» فلو كان هذا جائزًا، لما توعده.
ولأنهما صلاتان مختلفتان في الحكم، فلا يجوز أن ينتقل من إحداهما إلى الأخرى، كالظهر والعصر، وفيه احترازٌ ممَّن انتقل من القصر إلى التمام، أو ممَّن خرج عنه وقت الجمعة، فأتم الظهر.
والقول الثاني: لا تبطل صلاته، وهو الأصحُّ؛ لما روى جابر: «أن معاذًا كان يُصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العِشاء، ثم يأتي قومه في بني سلمة، فيُصليها بهم، فلمَّا كان ذات ليلة أخَّر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العِشَاء، فصلَّى معاذ معه، ثم أتى قومه، وافتتح الصلاة بسورة البقرة، فتنحى رجل من خلفه، وصلَّى لنفسه، فقالوا له: نافقت، فقال: لآتين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأتاه، فأخبره بذلك، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أفتَّانٌ أنت معاذ» ولم يأمر الذي انفرد عنه بالإعادة.
قال الشيخ أبو حامد: وهذا انفراد من غير عذر؛ لأنه لم يكن مسافرًا، ولا يخشى على ماله، وإنما هرب من تطويله.
ولأن الانفراد عن الإمام، لو كان يبطل الصلاة لأبطلها وإن كان لعذر، كالأكل والشرب في الصوم.
وقال أبو سعيد الإصطخري: لا تبطل صلاته، قولاً واحدًا، ولا يُعرف القول الآخر للشافعي، وإنما يكره له ذلك؛ لحديث معاذ.
وأما الشيخ أبو إسحاق: فذكر أن انفراد الأعرابي عن معاذ لعذر.

.[باب صفة الأئمة]

إذا كان الصبي ابن سبع سنين، أو ثمان سنين، وهو مميز من أهل الصلاة؛ صحَّت إمامته للبالغين في الفرض والنفل.
وهل يصحُّ أن يكون إمامًا في الجمعة؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يصحُّ؛ لأن الإمام شرط في الجمعة، وصلاة الصبي نافلة.
والثاني: يصحُّ؛ لأن من صحَّ أن يكون إماما في غير الجمعة؛ صحَّ أن يكون إمامًا في الجمعة كالبالغ، هذا مذهبنا.
وقال مالك: (يجوز أن يكون إمامًا في النفل دون الفرض).
وعن أبي حنيفة روايتان:
إحداهما: (أن الصبي لا صلاة له، وإنما يؤمر بفعلها؛ لكي يتعلمها، ويتمرَّن عليها، فإذا فعلها؛ كانت تشبه الصلاة).
فعلى هذه الرواية: لا يكون إمامًا لغيره.
والرواية الثانية: (أن صلاة الصبي صحيحة، وهي نافلة).
فعلى هذه الرواية: يجوز أن يكون إمامًا في النفل دون الفرض.
دليلنا: ما روي «عن عمرو بن سلمة: أنه قال: كنت غلامًا قد حفظت قرآنًا كثيرًا، فانطلق بي أبي وافدًا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نفر من قومه، فعلَّمهم الصلاة، وقال: يؤمُّكم أقرؤكم لكتاب الله، وكنت أُصلِّي بهم، وعلى جنائزهم، وأنا ابن سبع سنين، أو ثمان سنين».
فموضع الدليل من هذا: أن القوم إنما قدموا به على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ليعرفوه أنه أقرؤهم، فلما عرف ذلك قال: «يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله»، ولا أقرأ هناك غيره، فكأنه قال: يؤمكم هذا.
وروي عن عائشة أنها قالت: "كنا نأخذ الصبيان من الكتاب، ليصلوا بنا قيام رمضان ".

.[مسألة:إمامة من ليس أهلًا لها]

ولا تصح إمامة الكافر؛ لأنه ليس من أهل الصلاة، فإن صلى الكافر، لم يحكم بإسلامه بنفس الصلاة.
وقال القاضي أبو الطيب: إذا صلى الحربي في دار الحرب، حكم بإسلامه.
وقال المحاملي: يحكم بإسلامه في الظاهر، ولكن لا يلزمه حكم الإسلام بذلك.
والمذهب الأول: وقال أبو حنيفة: "إن صلى منفردًا لم يحكم بإسلامه، وإن صلى في جماعة؛ استدللنا بذلك على إسلامه".
وقال محمد بن الحسن: إذا صلى في المسجد حكم بإسلامه، سواء صلى في جماعة أو منفردًا، وكذلك إذا أذن حيث يؤذن المسلمون، أو حج، أو طاف فإنه يحكم بإسلامه.
وقال أحمد: "يحكم بإسلامه بالصلاة بكل حال".
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها».
فمن قال: يحرم قتاله بالصلاة فقد خالف ظاهر الخبر.
وروي: «أن رجلًا مر بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقسم الغنيمة، فقال: يا محمد، اعدل؛ فإنك لم تعدل. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ويلك، إذا لم أعدل، فمن يعدل، ثم مر الرجل، فوجه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر وراءه ليقتله، فوجده يصلي، فقال: يا رسول الله، وجدته يصلي، فوجه عمر ليقتله، فوجده يصلي، فقال: يا رسول الله، وجدته يصلي، فوجه بعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال: إنك لن تدركه، فذهب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يجده».
فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتله؛ لأنه نسبه إلى الجور، وذلك يوجب كفره، وقد علم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخبر أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه يصلي، فدل على أنه لا يصير مسلمًا بنفس الصلاة.
ولأنها عبادة من شرطها تقديم الإيمان، فوجب ألا يكون فعلها دلالة على الإسلام، كصوم رمضان، وزكاة المال، وأما إذا أتى الكافر بالشهادتين: فإن أتى بهما على سبيل الحكاية، مثل: أن يقول: سمعت أن فلانًا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، لم يكن هذا إسلامًا منه، بلا خلاف بين أصحابنا؛ لأنه حكى ذلك عن غيره، كما أن من حكى الكفر لا يكون كافرًا.
وإن أتى بهما على وجه الإجابة لاستدعاء غيره، بأن قيل له: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فقال ذلك، وبرئ من كل دين خالف الإسلام حكم بإسلامه، بلا خلاف.
وإن أتى بالشهادتين من غير استدعاء، أو أتى بهما في الصلاة، أو في الأذان ففيه وجهان، ذكرناهما في الأذان:
أحدهما: يحكم بإسلامه، وهو قول أبي إسحاق، وهو الصحيح؛ لأنه قد أتى بالشهادتين على سبيل الحكاية، فهو كما لو دعي إليهما فأجاب.
والثاني: لا يحكم بإسلامه؛ لأنه متردد بين: أن يكون أراد به الإخبار عن غيره، أو الإسلام.
وروي: (أن أبا محذورة، وأبا سامعة كانا مؤذنين على سبيل الحكاية قبل إسلامهما).

.[فرع: صلاة كافر بمسلم]

وإذا صلى الكافر بالمسلمين عزر؛ لأنه أفسد على المسلمين صلاتهم، واستهزأ بدينهم.
وحكي عن الأوزاعي: أنه قال: (يعاقب)، ولعله أراد: التعزير.
وهل تجب الإعادة على من صلى خلفه؟ ينظر فيه:
فإن علم بحاله قبل الصلاة لزمته الإعادة؛ لأنه علق صلاته بصلاة باطلة مع العلم بها.
وإن لم يعلم بحاله نظرت: فإن كان كافرًا متظاهرًا بكفره، كاليهودي، والنصراني، والمجوسي لزمته الإعادة؛ لثلاثة معان:
أحدها: أنه قد ترك الاستدلال عليه بالعلم الظاهر، وهو الزنار، والغيار، فكان مفرطًا.
والثاني: أن العادة جرت أن الكافر لا يحسن أن يصلي كصلاة المسلمين، إذا لم يتعودها، فأما إذا لم ينبه المسلم لذلك: كان مفرطًا.
والثالث قاله الشافعي: (أنه ائتم بمن لا يجوز له الائتمام به بحال، فلزمته الإعادة، كما لو صلى خلف امرأة).
وإن كان كافرًا مستترًا بكفره، كالزنديق والملحد ففيه وجهان:
أحدهما وهو المنصوص: (أن عليه الإعادة)؛ لأنه ائتم بمن لا يجوز الائتمام به بحال.
والثاني: لا إعادة عليه؛ لأنه لم يفرط، فهو كما لو صلى خلف جنب.